فصل: قال بيان الحق الغزنوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{قُلْ ياعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} هي في قراءة عبد الله {الذنوب جميعًا لمن يشاء} قال الفراء: وحدّثنى أبو إسحَاق التَّيمىّ عن أبى رَوْق عن إبراهيم التيمىّ عن ابن عبَّاس أنه قرأها كما هي في مصحف عبد الله {يغفر الذنوب جيمعًا لمن يشاء} وإنما نزلت في وَحْشىّ قاتل حمزة وذوِيه.
{أَن تَقُولَ نَفْسٌ ياحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطَتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ}.
وقوله: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ ياحَسْرَتَا} أى افعَلو وأنيبُوا وافعَلوا {أَن تَقُولَ نَفْسٌ} ألاّ يقول أحدكم غدًا {ياحَسْرَتَا} ومثله قوله: {وَأَلْقَى في الأَرْضِ رَوَاسِىَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} أي لا تميد.
وقوله: {ياحَسْرَتَا} يا ويلتا مضاف إلى المتكلّم يحوّل العرب اليَاء إلا الألف في كلّ كلام كان مَعْناه الاسْتغَاثة، يخرج عَلى لفظ الدعاء. وربّما قيل: يا حَسْرَتِ كما قَالوا: يا لهَفِ على فلانٍ، ويا لهفَا عَلَيْهِ قَال: أنشدنى أبو ثَرْوان العُكْلىُّ.
تزورونها أَو لا أزور نِسَاءكم ** ألهَفِ لأولاد الإماء الحواطب

فخفضَ كما يُخفض المنادَى إذا أضافه المتكلّم إلى نفسه.
وربّما أدخلت العرب الهاء بعدََ الألفِ التي في {حسرتَا} فيخفضونها مَرة، ويرفعُونها. قَالَ: أنشدنى أبو فَقْعَس، بعضُ بنى أسد:
يا ربِّ ياربّاهِ إيّاك أسَلْ ** عَفراء يا ربّاهِ من قبل الأَجل

فخفض، قال: وأنشدنى أبُو فَقْعَسٍ:
يا مرحباهِ بحمار ناهِيْه ** إِذَا أتى قرّبته للسَّانية

والخفض أكثر في كلام العرب، ألاّ في قولهم: ياهنَاه ويا هَنْتَاه، فالرفع في هذا أَكثر من الخفض؛ لأنه كَثُر في الكلام فكأنه حَرف واحِدٌ مدعوّ.
{أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.
وقوله: {لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} النصب في قوله: {فَأَكُونَ} جَواب لِلو. وإن شئت جَعلته مردودًا عَلَى تأويل أنْ، تُضمرهَا في الكرَّة، كما تقول: لو أَنَّ لى أن أكُرَّ فأكونَ. ومثله مَّما نُصب عَلى ضمير أنْ قوله: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أنْ يُكَلِّمهُ اللهُ إلاّ وَحيًْا أوْ مِنْ وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ} المعْنَى- والله أعلم- مَا كان لبشرٍ أن يكلمه الله إلاّ أن يوحى إليه أو يرسل. ولو رفع {فيُوحى} إذا لم يظهر أنْ قبله ولا معه كان صوابا. وقد قرأ به بعض القراء. قال: وأنشدنى بعض بنى أسَدٍ:
يَحُلّ أُحَيْدَه ويقال بَعْلٌ ** ومثلُ تموُّلٍ منه افتقارُ

فما يُخطئكِ لا يخطئكِ منه ** طَبَانِيَةٌ فيَحْظُلُ أو يَغارُ

فرفع. وأنشدنى آخر:
فمالك منها غير ذِكرى وحِسْبة ** وتسأل عن ركبانها أينَ يمَّموا

وقال الكسَائى: سمعت من العرب: ماهى إلا ضَرْبة من الأَسَد فيحطِمُ ظهره، ويحطِمَ ظهرَه. قال: وأنشدنى الأسَدِىّ:
عَلى أحْوذِيَّيْن استقلت عَشِيَّة ** فما هي إلاَّ لمحة فتغيب

{بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ}.
وقوله: {بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا} القراء مجتمعون عَلى نصب الكاف وأن المخاطب ذَكَر. قال الفراء وحدثنى شيخ عن وِقَاء بن إياسٍ بسنده أنه قرأ {بَلَى قد جَاءَتْكِ آياتى فكذَّبتِ بهَا واستكبرتِ} فخفض الكاف والتاء كأنه يخاطب النفس. وهو وجه حسَن؛ لأنه ذكر النفس فخاطبها أوّلًا، فأجْرى الكَلام الثانى عَلى النفْس في خطابهَا.
{وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ}.
وقوله: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} ترفع {وجوههم} و{مسودّة} لأنَّ الفعل قد وقع على {الذين} ثم جاء بعد {الذين} اسم له فعل فرفعته بفعله، وكان فيه معنى نصب. وكذلك فالفعل بكل اسم أوقعتَ عليه الظنّ والرأى وما أشبههما فارفع ما يأتى بعده من الأسمَاء إذا كان معهَا أفاعيلها بعدهَا؛ كقولكَ: رأيت عبد الله أمرُه مستقيم. فإن قدمت الاستقامة نصبتهَا، ورفعت الاسم؛ فقلت: رأيت عبد الله مستقيمًا أمرُه، ولو نصبت الثلاثة في المسألة الأولى عَلى التكرير كان جَائزًا، فتقول: رَأيت عبد الله أمرَهُ مستقيمًا. وقالَ عدِىّ ابن زيدٍ.
ذرِينى إن أمركِ لن يطاعَا ** وما ألفيتِنى حِلْمى مُضَاعَا

فنصب الحلم والمُضاع عَلى التكرير. ومثله:
ما للجمال مشيِها وئيدا

فخفض الجَمَال والمشى عَلى التَّكرير. ولو قرأَ قارئ {وُجُوهَهُم مُّسْوَدَّةٌ} عَلى هذا لكانَ صَوَابًا.
{وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.
وقوله: {بِمَفَازَاتِهِمْ} جَمْع وقد قرأ أهل المدينة {بِمَفَازَتِهِمْ} بالتوحيد. وكلّ صَوَاب. تقول في الكلام: قد تَبيَّنَ أمرُ القوم وأُمُورُ القوم، وارتفع الصوت والأصوات ومعناه واحد قال الله {إنَّ أنْكَرَ الأصواتِ لَصَوْتُ الحَمِيرِ} ولم يقل: أصْواتٌ وكلّ صَوَاب.
{بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ}.
وقوله: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ} تنصب {الله}- يعنى في الإعراب- بهذا الفعْل الظاهر؛ لأنه ردّ كلام. وإن شئت نصبته بفعل تُضمره قبله؛ لأنَّ الأمر والنهىَ لا يتقدّمهما إلاّ الفعل.
ولكن العرب تقول: زيد فليقم، وزيدًا فليقم فمَن رفعه قال: أَرفعه بالفعل الذي بعده؛ إذا لم يظهر الذي قبله. وقد يُرفع أيضًا بأنْ يُضمر له مثل الذي بَعْده؛ كأنك قلت: ليَنظر زيد فليقم. ومن نصبه فكأنه قال: إنظروا زيدًا فليقم.
{وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
وقوله: {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} ترفع القبضة. ولو نصبهَا ناصب، كما تقول: شهر رمضانَ انسلاخَ شعبَانَ أي هذا لى انسلاخ هذا.
وقوله: {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} ترفع السَّموات بمطوياتٌ إذا رفعت المطويات. ومن قال: {مَطْوِيَّاتٍ} رفع السموات بالباء التي في يمينه، كأنه قال: والسَّموات في يمينه. وينصبُ المطويَّاتِ عَلى الحَال أو عَلى القطع. والحال أجود.
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنظُرُونَ}.
وقوله: {فِي الصُّورِ} قال: كان الكلبىّ يقول: لا أدرى ما الصور. وقد ذُكر أنه القَرْن وذكر عن الحسن أو عن قتادة أنه قال: الصور جماعة الصورة.
{وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى الّجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}.
وقوله: {طِبْتُمْ} أى زَكَوتم {فَادْخُلُوهَا}.
{وَقَالُواْ الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}.
وقوله: {وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ} يعنى الجنَّة. اهـ.

.قال بيان الحق الغزنوي:

سورة الزمر:
{ألا لله الدين الخالص} (3) ما لا رياء فيه من الطاعات.
{من دونه أولياء ما نعبدهم}. أي: قالوا: ما نعبدهم، فحذف.
{إن الله لا يهدي} أي: لحجته. وقيل: لثوابه.
{وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج} (6) تفسيرها في سورة الأنعام.
{في ظلمات ثلاث} ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة.
{أمن هو قانت} (9) أدغمت أم في من، وأم قيل: إنها بمعنى: بل، أي: بل الذي هو قانت: {يحذر الأخرة}. وقيل: إنها أم التي تعادل ألف الاستفهام، وجوابه محذوف، وتقديره: كمن هو غير قانت. أو تقديره: أمن جعل الله أندادًا كمن هو قانت.
ومن خفف {أمن} لا ينبغي أن يقول: إنها ألف الاستفهام، لأنه لا يستفهم بالألف في من إلا أن يكون بينهما واو أو فاء كقوله: {أو من ينشؤا في الحلية} وقوله: {أفمن يتقي بوجهه}. ويجوز أن نقول ألف النداء، أي: يا من هو قانت {قل هل يستوي} وأنشد الأخطل:
أبني أمية إن أخذت كثيركم ** دون الأنام لما أخذتم أكثر

أبني أمية لي مدائح فيكم ** تنسون إن طال الزمان وتذكر

{خسرا أنفسهم} (15) بإهلاكها في النار.
{وأهليهم} بأن لا يجدوا في النار أهلًا مثل ما يجد أهل الجنة من الحور العين، {لهم من فوقهم ظلل من النار} (16) وهي الأطباق والسرادقات.
{ومن تحتهم ظلل} وهي الفرش والمهاد، وإنما سمي ظللًا وإن كانت من تحتهم، لأنها ظلل من تحتهم.
{ثم يهيج} (21) ييبس.
{ثم يجعله حطاما} فتاتًا متكسرًا.
{فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله} (22) أي: القاصية قلوبهم.
{كتابًا متشابهًا} (23) يشبه بعضه بعضًا.
{مثاني} (23) ثني فيها أقاصيص الأنبياء وذكر الجنة والنار. وقيل: تثنى في القراءة فلا تمل.
{متشاكسون} (29) متضايقون متعاسرون، من الخلق الشكس.
{رجلًا سالمًا} خالصًا ليس لأحد فيه شركة، ليوازي قوله: {رجلًا فيه شركاء} و{سلمًا} أيضًا قريب من هذا المعنى، وما هو من الصلح كما قال أبو عبيدة، ولكنه مصدر سلم يسلم سلامة وسلمًا فوصف به، أي ذا سلم.
{إنك ميت} (30) الميت: هو الحيوان الذي يموت، والميت من قد مات، كما نظمه الخليل:
أيا سائلي إعراب ميت وميت ** فدونك قد فسرت إن كنت تعقل

فمن كان ذا روح فذلك ميت ** ولا ميت إلا من إلى القبر ينقل

وفي خطاب الرسول بهذا، وجوه من الحكمة: من الحث على الطاعة والاستعداد للموت، ومن تسليم العالمين برسول الله.
{والتي لم تمت في منامها} (42) أي: يقبضها عن الحس والإدراك، مع بقاء الأرواح في الأجساد.
{فيمسك التي قضى عليها الموت} أن تعود إلى الأجساد. قال علي رضي الله عنه: فالرؤيا من النفس في السماء، والأضغاث منها بعد إرسالها قبل الاستقرار في الجسد يلقيها الشياطين. وقال ابن عباس: بكل جسد نفس وروح، فالله يقبض الأنفس في المنام، دون الأرواح.
{اشمأزت} (45) انقبضت.
{إنما أوتيته على علم} (49) أي: على علم أني سأصيبه. وقيل: بعلم علمنيه الله. وقيل: على علم يرضاه عني.
{أن تقول نفس} (56) لئلا تقول. وقيل: كراهة أن تقول.
{يا حسرتى} (56) الألف بدل ياء الإضافة، لمد الصوت بها في الاستغاثة.
{في جنب الله} ذات الله. وقيل: في قرب ثوابه في الجنة.
{لمن الساخرين} أي: المستهزئين.
{بمفازتهم} (61) بما فازوا به من الإرادة.
{والأرض جميعاَ قبضته} (67) في حكمه وتحت أمره، يستبد لها بغيرها، كما قال: {يوم تبدل الأرض غير الأرض}.
{فصعق} (68) مات. وقيل: غشي عليهم.
{إلا من شاء الله} (68) أي: من الملائكة والشهداء.
{زمرًا} (71) أممًا.
وقيل: أفواجًا.
{وفتحت أبوابها} (73) واو الحال. أي: تجدونها عند المجيء مفتحة الأبواب، وأما النار فإنها مغلقة لا تفتح إلا عند دخولهم فيها.
{وأورثنا الأرض} (74) أي: أرض الجنة.
{نتبوأ من الجنة حيث نشاء} أي: من منازلهم التي هي لهم، لأنهم مصروفون عن إرادة غيرها.
{حافين} (75) محدقين محيطين.
تمت سورة الزمر. اهـ.